منذ أبريل 2023، انخرط السودان في صراع عنيف على السلطة بين الجيش السوداني النظامي، القوات المسلحة السودانية (SAF)، وقوات الدعم السريع (RSF). يستند هذا الصراع إلى تنافس عسكري وسياسي طويل الأمد، حيث تطورت قوات الدعم السريع من ميليشيات الجنجويد التي استخدمها الدكتاتور السابق عمر البشير لقمع التمرد في دارفور، حيث ارتكبت فظائع واسعة النطاق ضد المدنيين. تحت قيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، حصلت قوات الدعم السريع على اعتراف قانوني رسمي واستقلال مالي، لكنها ظلت تحت سيطرة الحكومة. ورغم عملها لصالح الرئيس عمر البشير، دعمت كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع الثورة المدنية في أبريل 2019 التي أطاحت بالبشير.
وقد أفضى اتفاق لتقاسم السلطة بين العسكريين، ممثلين في القوات المسلحة والدعم السريع، وبين المدنيين، الذين قادوا حراك ثورة ديسمبر 2018، إلى تشكيل مجلس سيادة انتقالي، شغل فيه العسكريون مناصب عليا، ومجلس وزراء انتقالي شغل مناصبه المدنيون تحت رئاسة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك. ومع ذلك، قامت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بانقلاب عسكري في 25 أكتوبر 2021، واستولت على السلطة من الحكومة المدنية الانتقالية، مما أنهى فعليًا عملية التحول الديمقراطي وأعاد تأسيس حكم استبدادي. وتصاعدت التوترات عندما أثارت مقترحات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، كجزء من العودة إلى التحول الديمقراطي، تهديدًا لاستقلال قوات الدعم السريع، مما أدى في النهاية إلى اندلاع صراع مسلح بين القوتين في 15 أبريل 2023.
بحلول سبتمبر 2024، كانت خسائر هذا الصراع مروعة، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد الذين فقدوا حياتهم إثر هذا الصراع بحوالي 18,800 بينما أفادت مصادر أخرى بوصول عدد الضحايا إلى 150,000. وقد واجه أكثر من 10.9 مليون شخص النزوح وسط تزايد العنف، وانهيار الرعاية الصحية، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، وخطر المجاعة الذي يهدد أكثر من مليوني سوداني. وقد فشلت جهود التفاوض لإحلال السلام بسبب المواقف المتصلبة لأطراف الصراع، خاصة من جهة الجيش السوداني، مما منع التوصل إلى وقف إطلاق نار ذي معنى كخطوة نحو الاستقرار.
يسعى هذا المقال لتقديم نظرة عامة على العناصر الأساسية المطلوبة للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في السودان. ويغطي المقال المبادرات الدولية والإقليمية التي شكلت حتى الآن جهود الوساطة الإقليمية والعالمية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، والسمات الجوهرية والإجرائية الرئيسية لوقف إطلاق النار، والممارسات السابقة لوقف إطلاق النار في التجربة السودانية. كما يؤكد هذا المقال على الدور الحيوي الذي يلعبه المدنيون في إقامة السلام الدائم، مؤيدًا ضرورة إشراك المدنيين في جميع مراحل التفاوض على وقف إطلاق النار وتنفيذه.
جهود وقف إطلاق النار منذ 2023: المبادرات الدولية والإقليمية
بدأت الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، محادثات سلام في جدة في مايو 2023. وقد أسفرت هذه الجهود عن اتفاق وقف إطلاق نار لمدة سبعة أيام تم خرقه مرارًا وتكرارًا. وقد استؤنفت المحاولات اللاحقة في جدة في أكتوبر 2023 ولكنها فشلت في الحصول على زخم كافٍ، حيث رفض الطرفان المفاوضات المباشرة. وقدمت المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد"، خارطة طريق لحل الأزمة في السودان، داعية إلى ممرات إنسانية وحوار سياسي. ومع ذلك، فإن الأهداف المتباينة بين أصحاب المصلحة المحليين والدوليين وتعليق مشاركة السودان في الهيئة الحكومية للتنمية في أوائل عام 2024 قد عقّدت التوصل إلى وقف إطلاق نار فعال.
ساهمت الدول المجاورة أيضًا في المفاوضات، وكذلك في الصراع نفسه. فمثلاً، قامت مصر، التي دعمت تقليديًا الجيش السوداني، بوساطة لإجراء محادثات في يوليو 2023 ومرة أخرى في أغسطس 2024، بينما يُقال إن الإمارات العربية المتحدة تدعم قوات الدعم السريع، مما أثر على ديناميكيات الصراع على الأرض. وهدفت المحادثات التي قادتها الولايات المتحدة في جنيف إلى إنشاء ممرات آمنة من أجل توصيل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، لكنها لم تحقق نجاحًا وسط استمرار العمليات العسكرية. وقد أضعف استبعاد الأصوات المدنية من مفاوضات وقف إطلاق النار شرعية هذه المفاوضات في سياق الدعوة الواسعة من الجمهور السوداني لانتقال ديمقراطي يقوده المدنيون باعتباره أساسًا للسلام المستدام.
الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا ينخرطاان حاليًا في أي محادثات مباشرة، ولكن مثل هذا السلوك يبدو شائعاً خلال المراحل الأولى من المفاوضات حين يكون النزاع شديد الكثافة. وعلى الرغم من الفشل المتكرر في وقف الصراع، لا تزال الآمال قائمة لمحادثات وقف إطلاق النار في المستقبل. لكي تنجح هذه المحادثات، يجب على جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المدنيون، فهم العناصر الجوهرية لوقف إطلاق النار، بما في ذلك توقيته وتسلسله ومشاركة الجهات الفاعلة ذات الصلة.
التدابير المؤقتة
تُعرف الأمم المتحدة وقف إطلاق النار بأنه تعليق للقتال تتفق عليه الأطراف المتحاربة، وعادة ما يكون جزءًا من عملية سياسية. إنه اتفاق متفاوض عليه لوقف الأعمال العدائية وتخفيف حدة النزاع، غالبًا من خلال إزالة الأسلحة أو فرض مناطق منزوعة السلاح. وقف إطلاق النار ملزم ولكنه لا ينهي النزاع رسميًا ما لم يتم تطويره ليصبح وقفاً دائماً لإطلاق النار. وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار غالبًا ما يعتبر حلاً طويل الأمد، إلا أنه يمكن التفاوض عليها كأحد الإجراءات المؤقتة المتعددة لوقف العنف. إجراء مؤقت آخر هو الهدنة، وهي توقف غير رسمي مؤقت عن القتال، وغالبًا ما يتم ترتيبه محليًا، ولا يعتمد على رغبة الأطراف في إنهاء النزاع الأكبر. يمكن استخدام الهدنة لإجلاء الضحايا من ساحة المعركة قبل استئناف القتال. إن وقف الأعمال العدائية هو اتفاق أوسع وأكثر رسمية يوافق فيه طرف واحد أو أكثر على تعليق القتال الشامل. وعلى الرغم من أن وقف الأعمال العدائية قد يشير إلى بداية عملية سلام أوسع، إلا أنها لا تزال مؤقتة وغير ملزمة.
يمكن أن توفر هذه التدابير المؤقتة راحة قصيرة الأجل وتحمي المدنيين، مما يفتح طرقًا لمفاوضات السلام المستقبلية. وقف إطلاق النار طويل الأمد، أو الهدنة، يوفر مسارًا نحو السلام المستمر. وتنص المادة 36 من اتفاقيات لاهاي لعام 1907 على أن الهدنة "تعلق العمليات العسكرية بموجب اتفاق متبادل بين الأطراف المتحاربة"، وهو اتفاق رسمي لوقف جميع العمليات العسكرية، وغالبًا ما يرتبط ذلك بتحقيق اتفاق سلام أوسع.
خطوات إقامة وقف إطلاق نار فعال
يمكن لوقف إطلاق النار أن يخلق مساحة للحوار والإغاثة الإنسانية الفورية. عادةً ما يتبع عملية وقف إطلاق النار هذه الخطوات:
الاقتراح: تقترح الأطراف المتحاربة وقفاً لإطلاق النار، وغالبًا ما يكون ذلك بدعم من طرف ثالث. فعلى سبيل المثال، قادت الولايات المتحدة، في أغسطس 2024، محادثات سلام في جنيف، باستضافة المملكة العربية السعودية وسويسرا، بهدف إشراك أطراف النزاع في السودان ومراقبين من أطراف أخرى. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الاقتراحات التي لا تراعي التوقيت المناسب إلى مفاوضات تترك قضايا حاسمة دون حل.
المفاوضات: بعد إقامة قنوات الاتصال، يناقش الأطراف شروطًا مثل مدة وموقع مناطق وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية. ويمكن أن تساعد مشاركة الأطراف الدولية في بناء الثقة بين أطراف التفاوض.
الاتفاق: بمجرد الانتهاء من الشروط، يوقع الأطراف اتفاقية وقف إطلاق نار رسمية، محددة المسؤوليات ويعلنون عنها.
التنفيذ: توقف الأطراف المتحاربة الأعمال العدائية بينما يراقب المراقبون امتثال هذه الأطراف لبنود الاتفاق من أجل ضمان التزامهم بها. ويمكن أن يشمل المراقبون أصحاب المصلحة المحليين أو الدوليين أو كليهما. ويقومون بتقديم تقارير منتظمة عن حالة وقف إطلاق النار، كاشفين عن المخاوف للأطراف وأصحاب المصلحة الدوليين.
التحقق من وقف إطلاق النار ومراقبته وتنفيذه
التحقق من وقف إطلاق النار ومراقبته وتنفيذه أمر حيوي لإقامة سلام دائم. تقيّم فرق التحقق، التي تتكون عادة من خبراء عسكريين، امتثال الأطراف لشروط وقف إطلاق النار، مثل سحب القوات ونزع السلاح. وتساعد التقنيات مثل الطائرات بدون طيار والصور الفضائية في جمع البيانات غير المتحيزة. وقد استُخدمت لجان التحقق في اتفاقيات السلام السودانية السابقة. على سبيل المثال، أنشأ اتفاق السلام الشامل لعام 2005 لإنهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية، لجنة عسكرية مشتركة لوقف إطلاق النار، وهي واحدة من عدة كيانات مكلفة بالتحقق من تنفيذ شروط وقف إطلاق النار ومراقبته، وقد تلقت اللجنة، التي ضمت ممثلين لطرفي النزاع، دعمًا من بعثة الأمم المتحدة في السودان وهي عملية حفظ سلام تم إنشاؤها عقب اتفاقية 2005.
قد تعمل لجان المراقبة إلى جانب لجان التحقق أو بدلاً عنها لتعزيز الثقة بين الأطراف. ويمكن أن تشمل هذه اللجان ممثلين من الأطراف المتحاربة، وأطراف مراقبة من دول أخرى ومنظمات إقليمية أو دولية. ومع ذلك، لا تضمن لجان المراقبة التزام الأطراف بشروط وقف إطلاق النار. فعلى الرغم من إنشاء لجنة مراقبة خلال وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو 2023، والتي ضمت ممثلين من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أن الطرفين خرقا وقف إطلاق النار بعد يوم واحد من بدئه. وقد لاحظ المراقبون أن مفاوضات وقف إطلاق النار في جدة (في مايو وأكتوبر 2023) لم تتضمن أي آلية فعالة لمراقبة تنفيذ الاتفاق، كما لم يشارك المدنيون في عضوية اللجنة. وبذلك لم تكن هناك أي عواقب ذات مغزى أو عقوبات فعالة قد تترتب على الانتهاكات.
يمثل تنفيذ وقف إطلاق النار داخل منطقة النزاع تحديًا كبيراً. تسمح المادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالاستجابة لمهددات السلام، وخروقات السلام، أو أعمال العدوان من خلال دعوة الأطراف المعنية للامتثال للتدابير المؤقتة الضرورية لمنع تفاقم الوضع. وقد تشمل إجراءات سحب القوات المسلحة، وقف الأعمال العدائية، الالتزام بوقف إطلاق النار، أو خلق ظروف لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية. ويجادل المتخصصون بأن هذه التدابير المؤقتة، على الرغم من كونها مؤقتة، إلا أنها ملزمة قانونًا للأطراف المستهدفة.
تمكن المادة 41 مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من توجيه الدول الأعضاء لفرض تدابير إنفاذ متعددة مثل الضغوط الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية، أو الإجراءات السياسية ضد الأطراف التي تفشل في الامتثال للتدابير المؤقتة الموضحة في المادة 40. مثال بارز في السودان حدث خلال النزاع في دارفور عندما استجاب مجلس الأمن لانتهاكات متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في نجامينا لعام 2004. ففي تلك الحالة، قام المجلس بتوسيع حظر الأسلحة ليشمل جميع الأطراف التي خرقت شروطه بدلاً من تقييده بالكيانات غير الحكومية والأفراد المذكورين في قراره الأول.
الانتقال من وقف إطلاق النار المؤقت إلى الدائم: أمثلة سودانية
غالبًا ما لا يحدد وقف إطلاق النار المؤقت مدة معينة له؛ بينما يمكن لبعضها أن يتطور إلى اتفاقيات دائمة، فإنها غالبًا ما تكون جزءًا من جهود دبلوماسية أوسع لتحقيق حل شامل. توضح الأمثلة التاريخية من السودان كيف يمكن لوقف إطلاق النار المؤقت أن يسهم في دعم حوار أكثر شمولاً. يلعب استعداد الأطراف للتفاوض، إلى جانب تأثير أصحاب المصلحة الخارجيين، دورًا حاسمًا في الانتقال من وقف إطلاق نار مؤقت إلى حل دائم.
اتفاق وقف إطلاق النار في نجامينا، الذي دخل حيز التنفيذ في الحادي عشر من أبريل عام 2004، كان مصممًا لوقف تصاعد العنف في دارفور من خلال إقامة وقف إطلاق نار لمدة خمسة وأربعين يومًا بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة، وحركة وجيش تحرير السودان. وعلى الرغم من هذا الجهد، استمر العنف، حيث خرق الطرفان وقف إطلاق النار مرارًا وتكرارًا. وبعد عامين، وردًا على الضغوط المتزايدة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وقعت حكومة السودان اتفاق وقف إطلاق النار في أبوجا عام 2006 مع فصيل من حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي. تضمن اتفاق أبوجا أحكام وقف إطلاق نار مشابهة لاتفاق نجامينا، إلا أنه قدم أيضًا تدابير إضافية لتقاسم السلطة، وتوزيع الثروة، ونزع سلاح الجماعات المتمردة والجنجويد، مع دمج المقاتلين المتمردين في الجيش السوداني. ومع ذلك، اعتبر الكثيرون هذه الأحكام الجديدة غير كافية، مما دفع العديد من الفصائل المسلحة للانسحاب من المفاوضات.
واجه اتفاق أبوجا انتقادات واسعة لكونه مثيرًا للجدل ومثيرًا للانقسام. وفي النهاية لم ينجح الاتفاق في وقف الأعمال العدائية، فضلاً عن كشفه عن الانقسامات العميقة بين أطراف التفاوض. ومع ذلك، نجح الاتفاق في البناء على مبادئ اتفاق نجامينا بتناول لقضايا حرجة، مثل التنمية الاقتصادية في دارفور، والتي تظل أساسية لتحقيق السلام المستدام. وقد شكلت هذه الاتفاقيات أساس اتفاق الدوحة للسلام في دارفور لعام 2011، والذي على الرغم من عيوبه، كان أساسيًا لاتفاق السلام في جوبا لعام 2020 - والذي يُعتبر، على الأرجح، وقف إطلاق النار الأكثر ديمومة في التاريخ الحديث لدارفور. ومع ذلك، تشير التقارير الواردة الآن عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية المحتملة ضد نفس الجماعات التي تم استهدافها سابقاً إلى الفشل المروع للجهود السابقة لوقف إطلاق النار بشكل دائم.
تحقيق وقف إطلاق نار دائم في السودان
يتطلب تحقيق وقف إطلاق نار مستدام في النزاع الجاري في السودان معالجة مزيج معقد من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. تشمل القضايا المركزية التنافس التاريخي والصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتوترات العرقية والإقليمية الكامنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط الجهات الفاعلة الخارجية، مثل الدول المجاورة والقوى الدولية، يؤثر بشكل كبير على إمكانية تحقيق وقف إطلاق نار دائم.
يتمتع السودان بموقع استراتيجي جيوسياسي هام، حيث تحده تشاد ومصر وليبيا وإثيوبيا وإريتريا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، بالإضافة إلى البحر الأحمر. هذا الأمر دفع العديد من الدول إلى تعزيز علاقاتها مع فصائل مسلحة سودانية مختلفة من أجل تأمين وخدمة مصالحها، ويشمل ذلك طرق التجارة المواتية والوصول إلى الموارد المعدنية الثمينة. وعلى الرغم من جهود أطراف خارجية ناشطة من أجل تحقيق السلام في السودان، إلا أن التدخلات الخارجية من شأنها تعقيد عملية وقف إطلاق النار وتحقيق السلام.
على سبيل المثال، سعت مصر إلى الحفاظ على نفوذها التقليدي في السودان بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة في نهر النيل والمخاوف الأمنية بشأن حدودها الجنوبية، مما جعلها حليفًا قويًا للجيش السوداني. هناك أدلة متزايدة، أوردتها وسائل إعلام دولية ودول أخرى، تشير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدعم قوات الدعم السريع مالياً وتزوده بالعتاد العسكري. وفي الوقت نفسه، تسعى قوى دولية أخرى إلى تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية في السودان. فعلى سبيل المثال، يبدو أن روسيا تهدف إلى إقامة قاعدة بحرية في البحر الأحمر، وتركز الصين على قطاع النفط في السودان لتعزيز نفوذها في أفريقيا، بينما تعمل الولايات المتحدة على مناهضة هذه التوجهات التي قد تضر بمصالحها وأمنها القومي. ويظهر تورط الدول الأخرى في السودان - سواء لتعزيز المصالح الجيوسياسية الاستراتيجية أو للتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الأعمال العدائية – تأثيرها المتزايد على النزاع الحالي في السودان. ويذكّر استخدام روسيا الأخير لحق النقض (الفيتو) لمنع تمرير قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يهدف إلى تعزيز التدابير اللازمة لحماية المدنيين وزيادة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بالقوة الكبيرة التي تمتلكها الأطراف الخارجية على استقرار السودان. لذا، فإن وقف إطلاق النار الدائم ضروري ليس فقط للسودان ولكن أيضًا للاستقرار الإقليمي والدولي الأوسع.
وقف إطلاق نار سوداني يشمل المدنيين
يجب أن ينظر وقف إطلاق النار الناجح إلى ما وراء الأهداف العسكرية ليأخذ في اعتباره تعقيدات الخلفيات المتنوعة والمتعددة للسكان في السودان والديناميكيات الاجتماعية الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع التي شكلت نزاعاته. يستمر الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على الرغم من العديد من محاولات وقف إطلاق النار وجهود الوساطة الدولية. وقد فشلت المبادرات السابقة لوقف إطلاق النار في تحقيق السلام المستدام لأنها ركزت بشكل ضيق على الفصل العسكري بين الأطراف المتحاربة دون معالجة القضايا الاجتماعية السياسية الكامنة أو دمج وجهات نظر المدنيين.
بناء الثقة في عملية السلام بين المدنيين أمر أساسي لضمان دعم أي وقف لإطلاق النار أثناء التنفيذ. اعتماد نهج شامل يشرك بشكل كامل المجتمعات المهمشة والمتأثرة بالنزاع أمر ضروري لنجاح وقف إطلاق النار. وتجاهل الأصوات المدنية سوف يعيق الجهود المبذولة لمعالجة جذور النزاع الذي يمتد الكثير منها عقودًا إلى الوراء. ويجب على المنظمات الإقليمية والدولية ليس فقط تضخيم الأصوات المدنية ولكن أيضًا ممارسة ضغط مستمر على الأطراف المتحاربة والدول الأخرى التي تستغل النزاع في السودان لمصالحها الخاصة.
تضيف آثار النزاع على المدنيين، بما في ذلك النزوح الجماعي والضحايا والأزمات الإنسانية، إلى الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار. والتي كانت تُعتبر تقليديًا قضية عسكرية، يجب أن تعطي عملية التفاوض الآن الأولوية لأصوات المدنيين السودانيين، وخاصة النساء والشباب والمجموعات المهمشة والمجتمعات من المناطق الطرفية. إن إدراج المدنيين ضروري لمعالجة جذور النزاع وتعزيز حماية وسلامة المدنيين. لذلك يجب أن يشمل أي وقف لإطلاق النار في السودان، سواء كان مؤقتًا أو دائمًا، مشاركة المدنيين لتعزيز احتمالات نجاحه.
خاتمة
يمر السودان بلحظة كارثية ومحورية في تاريخه، حيث أسهمت عقود من التوترات الداخلية، التي لم يتم حلها، في الصراع المدمر الذي يجتاح البلاد بأكملها الآن. وتظهر محاولات وقف إطلاق النار السابقة - سواء الحديثة أو التاريخية - الحاجة الملحة لمعالجة التعقيدات المتعددة التي تميز النزاع الحالي. ويتحمل المجتمع الدولي المسؤولية السياسية والأخلاقية عما يحدث في السودان، حيث أن العديد من أعضائه مرتبطون بشكل جوهري بالنزاع الحالي. لذلك يجب استخدام جميع الوسائل الممكنة من أجل تشجيع أطراف النزاع على التفاوض، ولدمج المدنيين ضمن عمليات التفاوض، وللمساعدة في التوصل إلى اتفاق قوي مبني على الوضوح والمراقبة الفعالة. وهناك أدوات عديدة مختلفة تحت تصرف المجتمع الدولي، بما في ذلك الحوار الدبلوماسي، وحظر الأسلحة، والعقوبات. ففي غياب مثل هذا الجهد المتضافر الذي يشمل المدنيين، ويعزز الملكية السودانية لهذه التدابير، ويوفر دعماً من الشرعية الدولية، فإن آفاق حل دائم ووضع نهاية للعنف الراهن تظل ضئيلة إن لم تكن منعدمة.
من كتابة أليس ويلاند، هبة بوايه، تارا أورتمان، وأدريان فريكي، من مجموعة القانون الدولي والسياسات العامة، وماريا سيرجييفا، من أوريك، هيرينغتون وسوتكليف.